سورة الدخان - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الدخان)


        


{كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)}
{كذلك} الكاف منصوبة على معنى: مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها {وأورثناها} أو في موضع الرفع على الأمر كذلك {قَوْماً ءَاخَرِينَ} ليسوا منهم في شيء من قرابة ولا دين ولا ولاء، وهم بنو إسرائيل: كانوا متسخرين مستعبدين في أيديهم، فأهلكهم الله على أيديهم، وأورثهم ملكهم وديارهم. إذا مات رجل خطير قالت العرب في تعظيم مهلكة: بكت عليه السماء والأرض، وبكته الريح، وأظلمت له الشمس. وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مؤمن مات في غربة غابت فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض» وقال جرير:
تَبْكِي عَلَيْكَ نُجُومَ اللَّيْلِ وَالْقَمَرَا ***
وقالت الخارجية:
أَيَا شَجَرَ الْخَابُورِ مَالَكَ مُورِقا *** كَأَنَّكَ لَمْ تَجْزَعْ عَلَى ابْنِ طَرِيفِ
وذلك على سبيل التمثيل والتخييل مبالغة في وجوب الجزع والبكاء عليه، وكذلك ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما: من بكاء مصلي المؤمن، وآثاره في الأرض، ومصاعد عمله، ومهابط رزقه في السماء تمثيل، ونفي ذلك عنهم في قوله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السماء والأرض} فيه تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده: فيقال فيه: بكت عليه السماء والأرض.
وعن الحسن: فما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون، بل كانوا بهلاكهم مسرورين، يعني: فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الأرض {وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} لما جاء وقت هلاكهم لم ينظروا إلى وقت آخر، ولم يمهلوا إلى الآخرة، بل عجل لهم في الدنيا.


{وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31)}
{مِن فِرْعَوْنَ} بدل من العذاب المهين، كأنه في نفسه كان عذاباً مهيناً، لإفراطه في تعذيبهم وإهانتهم. ويجوز أن يكون المعنى: من العذاب المهين واقعاً من جهة فرعون. وقرئ: {من عذاب المهين} ووجهه أن يكون تقدير قوله: {مِن فِرْعَوْنَ}: من عذاب فرعون، حتى يكون المهين هو فرعون. وفي قراءة ابن عباس: من فرعون، لما وصف عذاب فرعون بالشدة والفظاعة قال: من فرعون، على معنى: هل تعرفونه من هو في عتوّه وشيطنته، ثم عرف حاله في ذلك بقوله: {إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ المسرفين} أي كبيراً رفيع الطبقة، ومن بينهم فائقاً لهم، بليغاً في إسرافه. أو عالياً متكبراً، كقوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الارض} [القصص: 4]. و{مِّنَ المسرفين} خبر ثان، كأنه قيل: إنه كان متكبراً مسرفاً.


{وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآَتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآَيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34)}
الضمير في {اخترناهم} لبني إسرائيل. و{على عِلْمٍ} في موضع الحال، أي: عالمين بمكان الخيرة، وبأنهم أحقاء بأن يختاروا. ويجوز أن يكون المعنى: مع علم منا بأنهم يزيغون ويفرط منهم الفرطات في بعض الأحوال {عَلَى العالمين} على عالمي زمانهم. وقيل: على الناس جميعاً لكثرة الأنبياء منهم {مِنَ الأيات} من نحو فلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المنّ والسلوى، وغير ذلك من الآيات العظام التي لم يظهر الله في غيرهم مثلها {بلاؤا مُّبِينٌ} نعمة ظاهرة؛ لأنّ الله تعالى يبلو بالنعمة كما يبلو بالمصيبة. أو اختبار ظاهر لننظر كيف تعملون، كقوله تعالى: {وَفِى ذلكم بَلاء مِّن رَّبّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة: 49].

1 | 2 | 3 | 4 | 5